"الشطرنج" لعبة الأذكياء، وهو أيضاً اللعبة التي يخلو قاموسها من مفردة "الخصم" إذ إن اللاعب الآخر فيها يدعي "رسيل" أي الذي يراسلك الأفكار والخطط والمتعة.
ينسب بعض المؤرخين إلى النبي سليمان فكرة لعبة الشطرنج، فيما يرى آخرون أن الحاكم الصيني "هان شنج" هو أول من أوجد هذه اللعبة، عندما طال حصاره لمدينة "شن سي"، من أجل تسلية جنوده، وسماها "تشوك- تشو- هنج- كي" أي علم الحرب باللغة الصينية.
تؤكد الكتب القديمة أن قدماء اليونان كانوا يعرفون الشطرنج وهم ينسبون إيجاده إلى "يالاميدس" أما المؤرخون العرب فهم يؤكدون أنهم أخذوه عن الهنود، لكن الأخبار المتعلقة بذلك غير دقيقة والأغلب أنه جاء إليهم من بلاد فارس، حيث إن أصل كلمة شطرنج فارسية معربة عن "شدرنج" كما قال الكعبري "وكسر الشين فيه أجود أي شطرنج" ليكون على وزن "جردجل" وهو الضخم من الإبل.
ويجب الإشارة إلى فكرة مهمة هنا وهي أن اللعبة التي نمارسها حالياً تختلف عن الشطرنج الذي كان يمارس في تلك الفترة سواء من ناحية عدد القطع أو عدد المربعات أو من ناحية القوانين ولكن الشطرنج الحالي ما هو إلا تطور طبيعي وعبر العصور لتلك اللعبة وهي كذلك قابلة للتطور في المستقبل.
ولكن كل المزاعم التي وردت حول تاريخ هذه اللعبة وبداياتها تلاشت عندما تم اكتشاف رقعة شطرنج عام "1930" في مقبرة "توت عنخ آمون" وقد صفت عليها قطع اللعب، وهذا يدل على أن الفراعنة في مصر القديمة قد عرفوا هذه اللعبة من عام "1400" قبل الميلاد ومارسوها منذ أقدم العصور أيام الملك "رمسيس الثالث"، كما تم العثور في حفريات أور بالعراق على لوحة مطعمة تشكل رقعة شطرنج مضبوطة يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف عام وهذا يؤكد أن حضارات ما بين النهرين قد عرفت أيضاً هذه اللعبة.
لكن الشطرنج لم يأخذ شكله الحالي ولم يصبح فناً رفيع المستوى إلا عندما ظهر اللاعب "بول مورفي" في مدينة "نيو اورليانز" بأمريكا عام "1849" حيث وجدت الميقاتيات اللازمة لضبط الوقت وأصبح الزمن الكلي للدور محدداً ومن ينته زمنه الكلي يخسر كما لو أنه خسر بطريقة "كش مات" على الرقعة، واستطاع هذا اللاعب الأمريكي الفذ التغلب على أفراد أسرته ثم على أقاربه حتى ذاع صيته فشارك في بطولة نيويورك عام "1857" وكانت تضم ستة عشر لاعباً فاز عليهم جميعاً. ثم بعد ذلك فاز "مورفي" على أبطال أوربا اللامعين ومنهم الألماني "أدولف اندرسون" بطل العالم آنذاك وكذلك اللاعب البارع "بارنس" وكان عمره لا يتجاوز عشرين عاما فقط، حتى أن الصحيفة الشهرية "الهيرالد تريبيون" انفردت في ذلك الوقت بنشر اخباره فزادت في شهرته وفي شهرة اللعبة حيث أصبح الشطرنج موضة ذلك القرن. واعتبر مورفي أول من أرسى قواعد اللعب المركزي في العصر الحديث وتربع هذا اللاعب على عرش بطولة العالم حتى جاء من جديد اندرسون عام "1864"، ثم استطاع العبقري النمسوي "وليم شتاينتز" أن ينتزع بطولة العالم عام "1866"، ثم جاء بعده اللعب الألماني الشهير "عمانويل لاسكر" عام "1894"، ثم اللاعب الكوبي الفذ "جوزيه كابابلانكا" عام "1921" ثم صاحب الخيال وصاحب المدرسة الحديثة اللاعب الروسي العظيم "الكسندر اليخين" عام "1927" ثم جاء بعده الهولندي اللامع الدكتور "ماس أيفيه" عام "1935" حتى عاد الروسي "اليخين" واسترد لقبه عام "1937" حتى توفي في لشبونة، ثم عاد الروس بلاعبهم الخارقة "ميخائيل بوتفنيك" واحتفظ باللقب منذ عام "1948" حتى خسره عام "1957" مع مواطنه "فاسيلي سيمسلوف" وعاد "بوتفنيك" أول من برمج العقل الإلكتروني ليلعب الشطرنج، ثم انتزع اللقب منه مواطنه الموهبة "تيجران بتروسيان" عام "1963" ثم خسر لقبه أمام مواطنه "بوريس سباسكي" عام "1969" واستمر معه حتى عام "1972" حيث انتزعه اللاعب الأمريكي "بوبي فيشر" الذي استطاع أن يدمر الحواجز الدفاعية للروسي "سباسكي" بعد الكثير من التصرفات الغريبة والمزاجية في العاصمة الايسلندية حيث أقيمت البطولة، وقد سجل اعتراضه على كل شيء، على قيمة الجائزة والإضاءة في قاعة اللعب وعلى الشركة التلفزيونية المتعهدة بالبث وعلى الفندق وتجهيزاته حتى الرقعة الرخامية أجبر المنظمين على أن يستبدلوا بها أخرى خشبية واعترض على السيارة التي تقله للفندق وعلى الكرسي الذي سيجلس عليه أثناء اللعب وكاد بدء البطولة يتأخر لولا المكالمة الهاتفية من أمريكا والتي أرغمته على اللعب، وكانت من مستشار الأمن القومي آنذاك "هنري كيسنجر" مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون، وبذلك استطاع فيشر أن يسحق سباسكي ويحصل على بطولة العالم ولكنه انسحب أمام متحديه الروسي المعروف "أناتولي كاربوف" صاحب الموهبة المميزة حيث سيطر على بطولة العالم منذ عام "1975" ولمدة عشر سنوات وأتت الموهبة الروسية الفذة "غاري كاباروف" وانتزع اللقب منه بعد أن توقفت البطولة وأعيد النظر بنظامها وتحددت البطولة بأربعة وعشرين دوراً، وإذا تم التعال باثنتي عشرة نقطة لكل لاعب يحتفظ صاحب اللقب بلقبه، مع العلم أن النظام الذي كان سائداً قبل ذلك لم يكن يحتسب نقاط الأدوار المتعادلة حتى أنهم في البطولة الملغاة حطموا الرقم القياسي العالمي لعدد التعادلات المسجل أيام بطل العالم الكوبي "كابابلانكا"، ثم قام "كاسباروف" بعد ذلك بتأسيس الجمعية العالمية للمحترفين وأصبح بطلاً لها منذ عام "1993" واستمر الروسي "كاربوف" بطلاً للعالم حسب قانون الاتحاد الدولي للشطرنج حتى يومنا هذا، وثمة بطولات كذلك للسيدات وتعتبر الروسيات والمجريات والصينيات من اللاعبات البارزات في هذا المجال، ويقام كذلك أولمبياد خاص في لعبة الشطرنج كل سنتين يشرف على تنظيمه الاتحاد الدولي ويتنافس عليه أفضل اللاعبين واللاعبات من كل أنحاء العالم.